الذكاء الاصطناعي.. والمعادن النادرة في حلبة الصراع الدولي
4 أيام مضت
المقالات
328 زيارة
إبراهيم مشرف – عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان.
منذ فجر التاريخ وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، والصراع الدولي لا يخرج عن أحد دافعين:
الأول: حب السيادة والفخر، كحب سيادة المبدأ عند المسلمين ونشره كما كان الحال مع الدولة الإسلامية طوال ما يقارب 1300 سنة. أو حب سيادة الأمة والشعب كما هو الحال مع إيطاليا الفاشية أو ألمانيا النازية.
الثاني: الركض وراء المنافع المادية.
وبزوال الدولة الإسلامية والاتحاد السوفيتي انحصر الدافع الذي يسيطر على العالم، في الركض وراء المنافع المادية، وسيظل كذلك حتى تقوم الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فتؤثر في الصراع الدولي، فيعود معها دافع حب سيادة المبدأ ونشره، كما ستنتزع زمام المبادرة من الدول العظمى، ومن الدولة الأولى في العالم؛ أمريكا لسوء إدارتها للعالم.
وأخطر دوافع الصراع بين الدول، هو دافع الاستعمار بجميع أشكاله وصوره. فهو الذي يسبب الحروب الصغيرة والكبيرة والحربين العالميتين وحروب الخليج وأفريقيا وأفغانستان والعراق وغيرها، وهو الذي ما زال يسبب المشاكل والأزمات والحروب في العالم كله. والتنافس والتشاحن
يشهد العالم سباقًا محمومًا بين القوى الكبرى للسيطرة على المعادن النادرة، لما تمثله من أهمية مركزية في الصناعات التكنولوجية الحديثة، خاصة الذكاء الصناعي، والطاقة المتجددة، وصناعة الرقائق الدقيقة (الشرائح الإلكترونية). وقد باتت هذه الموارد تشكل حجر الأساس في التحول الرقمي والعسكري، مما حولها إلى عنصر حاسم في ميزان القوى الجيوسياسي.
لذلك كان لا بد من الوقوف على ماهية الروبوت، وواقع المعادن النادرة، وأثرها في حلبة الصراع الدولي.
الروبوت هو تطبيق برمجي يؤدي مهام متكررة على الشبكة، يتبع الروبوت تعليمات محددة ليحاكي السلوك البشري ولكنه يكون أسرع وأكثر دقة. يمكن أن يعمل الروبوت أيضًا بشكل مستقل بدون تدخل بشري، فعلى سبيل المثال، يمكن أن تتفاعل الروبوتات مع المواقع الإلكترونية، أو تجري دردشة مع زوار الموقع، أو تفحص المحتوى. في حين أن معظم الروبوتات مفيدة، إلا أن الأطراف الخارجية تصمم بعض الروبوتات التي لها غرض خبيث. ولذلك تؤمِّن المؤسسات أنظمتها من الروبوتات الضارة، وتستخدم روبوتات مفيدة بهدف زيادة الكفاءة التشغيلية.
فالربوتات انواع منها الضار والخبيث ومنها النافع.
تمثّل الروبوتات اليوم أحد أعمدة الثورة التكنولوجية العالمية، حيث تشهد تطورًا متسارعًا وتحولًا من أدوات صناعية بسيطة إلى أنظمة ذكية تُستخدم في مختلف المجالات: من التصنيع والرعاية الصحية إلى الأمن والدفاع.
في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي، تُعتبر المعادن النادرة بمثابة الوقود الذي يدفع عجلة الاقتصاد الرقمي والتكنولوجي. هذه المعادن التي تضم عناصر مثل النيوديميوم، اللانثانوم، والديسبروسيوم، أصبحت حجر الزاوية في صناعات لا غنى عنها في عصر الذكاء الصناعي والطاقة المتجددة. وفي ظل الطلب المتزايد عليها، نشب صراع دولي بين القوى الكبرى للهيمنة على هذه الموارد الاستراتيجية. وفي مقدمة هذا الصراع تبرز الولايات المتحدة و الصين كأبرز اللاعبين في مسعى كل منهما لتأمين هذه المعادن النادرة التي تعد بمثابة مفاتيح المستقبل التكنولوجي.
لذلك فإن المعادن النادرة تلعب دوراً أساساً في الذكاء الاصطناعي فهو من أوجه التكنولوجيا التي تعتمد بشكل أساسي على المعالجات الدقيقة التي تُصنع باستخدام معادن نادرة. فكل من:
الشرائح الإلكترونية (مثل الرقائق والمعالجات) تعتمد على المعادن النادرة. والبطاريات المتقدمة التي تُستخدم لتشغيل الأجهزة الذكية تتطلب هذه المعادن. فكلما ازداد تطور الذكاء الاصطناعي، ازداد الطلب على المعادن النادرة. وهنا تكمن أهمية هذه المعادن النادرة في المستقبل التكنولوجي والاقتصادي للعالم بل لها
الدور الاستراتيجي بالنسبة للدول الكبرى:
فقد أصبحت المواد النادرة سلاح تتسابق الدول الكبرى للسيطرة عليها نظرًا لأهميتها في تأمين مكانتها الاقتصادية والسياسية. فالمعادن النادرة ليست مجرد مواد خام، بل هي أدوات قوة تعزز النفوذ في السوق التكنولوجي و الاقتصاد العسكري.
تسعى واشنطن إلى تقليل اعتمادها على الصين في هذا المجال. ورغم محاولات تنمية التنقيب المحلي، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال تعتمد على واردات هذه المعادن من الخارج، مما يعرضها لمخاطر جيوسياسية.
الصين: تسيطر على نحو 70% من الإنتاج العالمي للمعادن النادرة. وتمتلك أكبر احتياطي من هذه الموارد، ما يجعلها في وضع قوة هائلة على الساحة الدولية. الصين تستخدم هذا التفوق الاستراتيجي كورقة ضغط في نزاعاتها التجارية والدبلوماسية.
ومن هنا يبرز الصراع الحميم بين أمريكا والصين على المعادن النادرة، أحد أبرز سمات الصراع الجيوسياسي في العصر الحديث. أصبحت تستخدم هذه المعادن ليس فقط كمورد اقتصادي بل كأداة للضغط السياسي.
بداية تسعينيات القرن الـ20، استشعرت الصين أهمية المعادن النادرة في الصناعات الحديثة والذكية، فاستثمرت في تطوير تكنولوجيا استخراجها، وفصلها عن بقية المعادن وتكريرها، حتى هيمنت بنسبة 90% على الإنتاج العالمي مع مطلع القرن الـ21، مستفيدة من انخفاض أجور اليد العاملة، وعدم تشدد البلاد في شروط الحفاظ على البيئة، مما أتاح تصدير الفائض من إنتاجها بأسعار تنافسية.
تمتلك الصين أكبر مصانع معالجة المعادن الأرضية النادرة في العالم، وتأتي في مقدمة الدول القليلة المنتجة لهذا النوع من المعادن، وتحتكر قرابة نصف الاحتياطي العالمي للمعادن الأرضية النادرة، تليها البرازيل ثم فيتنام وروسيا، مقابل 12% فقط في الولايات المتحدة. ولا تملك أميركا سوى منجم واحد في كاليفورنيا، يصدر مستخلصات المعادن النادرة إلى الصين لتتم معالجتها هناك، ويعود ذلك للأضرار البيئية الناجمة عن عملية المعالجة، التي تحاول الولايات المتحدة تجنبها.
أما في أوكرانيا، فقد أكدت الوكالة الجيولوجية الوطنية وجود معادن نادرة منتشرة في مناطق عدة، لا سيما شرق البلاد الخاضع جزئيا للسيطرة الروسية. في الرابع من فبراير/شباط 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رغبته في أن تزود أوكرانيا الولايات المتحدة بالمعادن الأرضية النادرة مقابل الدعم المالي لجهودها الحربية، في محاولة لتعزيز العلاقة الإستراتيجية عبر الاستفادة من موارد أوكرانيا الطبيعية. وفي 12 فبراير/شباط من العام نفسه، قدم وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت عرضا أثناء اجتماعه مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف.
تضمن العرض منح الولايات المتحدة حقوق امتلاك 50% من المعادن النادرة في أوكرانيا مقابل المساعدات العسكرية السابقة التي قدمتها واشنطن، والتي قدرت بنحو نصف تريليون دولار، وتشمل الليثيوم، والتيتانيوم، والغرافيت، وهي معادن حيوية للصناعات التقنية المتقدمة، وتقع أغلبها في مناطق النزاع شرق أوكرانيا. من جهته رفض زيلينسكي هذا العرض، في وقت تمر فيه أوكرانيا بحرب مع روسيا منذ عام 2022، وتعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري والاقتصادي الغربي.
لوحت الصين في أكثر من مرة بتقليص صادراتها من المعادن النادرة، مما يُشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي الذي يعتمد على هذه المواد في تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والأنظمة العسكرية المتطورة. من جهة أخرى، تسعى الولايات المتحدة إلى تقليص اعتمادها على الصين في هذا المجال، عبر تحفيز التنقيب المحلي، ودعم مشاريع في دول أخرى مثل أستراليا وكندا. ولكن التحدي يبقى في أن الصين تتفوق على الولايات المتحدة ليس فقط في الإنتاج ولكن أيضًا في التقنيات المتعلقة بالاستخراج والتكرير.
في 4 أبريل٢٠٢٥م أعلنت وزارة التجارة الصينية، أنها ستبدأ بفرض نظام تراخيص لتصدير 7 أنواع من المعادن النادرة: السماريوم، والجادولينيوم، والتيربيوم، والديسبروسيوم، واللوتيتيوم، والسكانديوم، والإتريوم. وشمل القرار أيضاً المنتجات التي تحتوي على هذه العناصر، من بينها المغناطيسات الدائمة التي تصنعها «إن دي إف إي بي»، والتي تُستخدم على نطاق واسع في المحركات الكهربائية وأقراص التخزين الصلبة. وفي المقابل، لجأ ترمب إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمهاجمة الصين، من دون أن يذكر المعادن الأرضية النادرة على وجه التحديد، وقال في منشور عبر مواقع التواصل يوم 30 مايو: «الأخبار السيئة هي أن الصين، وربما ليس من المستغرب للبعض، انتهكت اتفاقها معنا بالكامل”.
ولكبح جماح تقدم الصين، فرضت الولايات المتحدة عقوبات عديدة على صناعتي تكنولوجيا المعلومات وأشباه الموصلات. ففي ولاية دونالد ترامب الأولى، أدرجت شركات صينية رئيسية على القائمة السوداء، وتم تشديد القيود بشكل أكبر في عهد جو بايدن. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2022، حظر بايدن على مصنعي الرقائق النانوية العالميين بيع التقنيات المتقدمة للصين، ما أدى إلى تصعيد التوترات. وفرضت إدارته في وقت لاحق عقوبات أكثر صرامة. وبغض النظر عما إذا كان بايدن أو ترامب في السلطة، فإن سياسة كبح جماح الصين واحتوائها ظلت ثابتة ولم تتغير.
وعلى الرغم من هذه القيود المستمرة، حققت الصين مؤخراً تقدماً كبيراً باستخدام نموذج الذكاء الاصطناعي “DeepSeek R-1” والذي تكلف إنجازه 6 ملايين دولار فقط، وهو ما فشلت شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة في تحقيقه بمليارات الدولارات. كما نجحت الصين في تطوير شريحة 3 نانوميتر، وهو إنجاز كانت تهيمن عليه سابقاً شركة TSMC التايوانية. وبينما تعتمد الشركات الأمريكية على أجهزة كمبيوتر عملاقة ضخمة تحتوي على 16000 شريحة متقدمة، حققت DeepSeek نتائج مماثلة باستخدام 2000 شريحة Nvidia قديمة فقط، ما يدل على الكفاية على قوة الأجهزة الهائلة.
وأدى هذا التحول التكنولوجي إلى خسارة مالية ضخمة للشركات الأمريكية، بما فيها شركة Nvidia الرائدة في تصنيع الرقائق النانوية. وقد أدى ذلك إلى تدخل واضح من الدولة، ففي 31 كانون الثاني/يناير، التقى ترامب بالرئيس التنفيذي لشركة Nvidia وناقشا مشروع DeepSeek.
ولكن استراتيجية الصين لا تمتد إلى ما هو أبعد من المنافسة الاقتصادية. فبينما تشارك بنشاط في الساحة الاقتصادية العالمية، فإن نهجها يظل دفاعياً إلى حد كبير داخل منطقتها، حيث تعطي الأولوية للاستقرار والتوسع الاقتصادي الاستراتيجي على حساب الهيمنة المواجهة.
وعلى الرغم من محاولات الغرب تقليل اعتمادهم على الصين، فإن الوضع الحالي يظهر أن الصراع حول المعادن النادرة سيظل محتدمًا في المستقبل. سيكون مستقبل الذكاء الصناعي مرهونًا بقدرة الدول على تأمين هذه الموارد الاستراتيجية. ومع تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين، يصبح الأمن التكنولوجي و الاستقلال الاقتصادي مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بالقدرة على الوصول إلى هذه المعادن.لذلك نجد أمريكا تفرض منظومتها العالمية من عولمة وخصخصة وغرصنة صندوق النقد الدولي وما يسمى بالاستثمار وغيرها من الادوات الاستعمارية لتدخل عن طريقها في البلدان لنهب ثرواتنا. ذكرت الشرق الأوسط في يونيو2017: طرحت وزارة المعادن السودانية حقولا تعج بالمعادن النادرة التي تستخدم في الصناعات الاستراتيجية، للاستثمار للشركات المحلية العاملة في البلاد، التي تتجاوز 400 شركة، وكذلك أمام الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال.
وأوضح المهندس النور كوكو مدير هيئة الأبحاث الجيولوجية بالإنابة بوزارة المعادن السودانية، لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن هناك شواهد واكتشافات في البحر الأحمر وغيره تؤكد وجود معادن نادرة في عدد من الحقول في مختلف أنحاء البلاد. وأشار إلى أن المعادن النادرة التي تم اكتشافها نوعان، فيزيائية وتستخدم لأغراض علمية، وأخرى تستخدم في الصناعات الاستراتيجية الكبرى في البلاد، والتي دخل فيها السودان من أوسع الأبواب خلال الخمس سنوات الماضية.
وأجاز البرلمان السوداني قبيل عطلة عيد الفطر خطة وبيان وزارة المعادن السودانية وأداء الربع الأخير لعام 2016 والربع الأول من عام 2017، وملامح متبقي خطة عام 2017، والذي قدمته لجنة الطاقة والتعدين بالمجلس. وتناول التقرير برنامج الوزارة للاستثمار في المعادن النادرة، حيث قال وزير المعادن البروفسور هاشم علي سالم إن وزارته تهدف خلال العام الحالي إلى تنويع الاستثمار في كل المعادن، مع فتح التقديم للاستثمار في المعادن النادرة.
كما أن الدول ذات الاحتياطات الكبيرة لهذه المعادن، مثل أستراليا وروسيا وكندا، أصبحت تتمتع بمزايا استراتيجية لا يُستهان بها. ان النظام الرأسمالي متمثلا بطبيعته المادية الأنانية، وآلياته الخادمة لنهب الثروات لصالح الأثرياء في الدول الرأسمالية هو المسسبّب الرئيسي لكل المشاكل الاقتصادية والمالية التي تشهدها الدول بشكل دوري ومتكرر.
في تقرير BBC عربي أكتوبر/ تشرين الأول 2014 لمنظمة كريديت سويس أن %1 من سكان العالم يملك ما يقرب من نصف ثروته، بينما يحوز 50% من سكان العالم على %1 فقط من الثروات.
هذا التقرير يكشف عوار المبدأ الرأسمالي الذي حول حياة مئات الملايين من البشر إلى جحيم لا يُطاق من أجل حفنة من المتنفذين والأغنياء في العالم، وهو يكشف عن فساد المبدأ الرأسمالي وعدم صلاحيته للإنسان، إذ المفترض في المبادئ أن تكون راعية لشؤون الناس وأن تخرجهم من الظلمات إلى النور ، لا أن تكون تشريعاً للظلم وتقنينا للجشع والأنانية والفردية.
هذا واحد من مئات التقارير التي تؤكد مدى حاجة البشرية الماسة لنظام يحقق العدل والطمأنينة والرحمة، وهو ما لا يوجد إلا في مبدأ الإسلام العظيم الذي يتأهب ليستعيد موقعه الريادي في العالم بقيام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. التي يقوم التصنيع فيها على أساس التصنيع الحربي. إنّ إنشاء صناعة قوية يتطلب التركيز على الصناعة العسكرية، فمثلاً تُعدّ أمريكا والصين قوى صناعية في العالم؛ لأنّ لديهما توجهاً نحو الصناعات الحربية، من مثل تصنيع أمريكا لطائرة الشبح المتطورة والحواسيب المتقدمة وتكنولوجيات الفضاء. وقد استفادت كل من ألمانيا واليابان من التوجه العسكري في فترة الحرب العالمية الثانية، حيث استفادتا من إرثهما الصناعي في التنمية الصناعية الحالية، في صناعة السيارات المنافسة والمدرعات والمحركات النفاثة. كما أنّ التكنولوجيا العسكريةوالفضاء مصدر للكثير من الابتكارات في المنتجات الاستهلاكية والمنتجات الثانوية، بما في ذلك الأدوات الكهربائية المنزلية، مثل استخدام الهاتف على أواني القلي واستخدام أنظمة الإنترنت من أجل تنظيم الأجهزة المنزلية.
وعلى الرغم من أنّ هناك دول في بلاد المسلمين مثل باكستان قد أنتجت الأسلحة النووية، إلا أنّها حُرمت من الصناعات الثقيلة بسبب الاستعمار، وقواتها المسلحة تعتمد على التكنولوجيا العسكرية من الدول الاستعمارية المحاربة، وكثير من المجالات الحيوية في اقتصادها، يعتمد على المنتجات والتكنولوجيات الأجنبية، من الاتصالات السلكية واللاسلكية، والمحركات والآلات الثقيلة. ولذلك ستعمل الخلافة على أن يكون التصنيع فيها على الأساس الحربي، حتى لا ترتبط بأي دولة. وستعمل على البحث والتطوير المرتبط بالصناعات الثقيلة، ويعتمد عليها، ولكن كليهما يتبنّى ضمن رؤية الدولة الرائدة، فأمريكا مثلاً باعتبارها الدولة الأولى في العالم، أقامت الصناعات الثقيلة الكبيرة، حتى إنّها سعت إلى استخدام العلماء الأجانب، مثل مهندسي الصواريخ الألمان، وسعت إلى إنشاء الجامعات التي تقوم بالأبحاث التكنولوجية. لقد كانت لجامعات الخلافة الوجهة المفضلة للنخبة الأوروبية، وكانت اللغة العربية لغة العالم في العلوم والتكنولوجيا، وكانت صناعة الأسلحة في الخلافة تبث الرعب في قلوب أعداء الأمة في جميع أنحاء العالم.
لذلك فإنّه يجب على الدولة أن تكفل وجود مراكز للبحث، تمكّن الصناعة في الخلافة من جعلها رائدة على مستوى العالم، وسينطوي هذا على استثمارات كبيرة من قبل الدولة، وربط الصناعة بالبحث الجامعي، لتلبية متطلبات الدولة من مهندسين، ومعماريين، ومخططي المدن، وأطباء، وعلماء تربويين، ومهندسي الزراعة وغيرهم، بالإضافة إلى ذلك فإنّ الدولة ستشجع مؤسسات القطاع الخاص، للعب دورها في مجال البحث والتطوير، وقد تبنّى حزب التحرير في مقدمته للدستور، في المادة رقم (162)، “لجميع أفراد الرعية الحق في إنشاء المختبرات العـلـمـية المتعلقة بكافة شؤون الحياة، وعلى الدولة أن تقوم هي بإنشاء هذه المختبرات”، في حين أنّه في العالم الإسلامي اليوم هناك هجرة ضخمة للعقول، فيقوم النابغون بالهجرة إلى البلدان التي تستغل مهاراتهم ذات الفائدة العملية والفورية.
إنّ سعي دولة الخلافة لأن تكون دولة صناعية، يتطلب أن تكون الصناعة الثقيلة مثل صناعة المحركات والآلات الصناعية، هي محرك الصناعة بشكل عام، وأن يكون التمويل الحكومي، والاستثمارات الخاصة وقوداً لها، كما ينبغي أن تهيمن الدولة على الصناعات الاستراتيجية. وعلى الرغم من الثروة الهائلة في بلاد المسلمين، بما في ذلك وجود تريليونات من الدولارات المحبوسة عن الاستثمار الصناعي في البنوك، وأسواق الأوراق المالية، فقد لجأ الحكام العملاء إلى أخذ القروض من المستعمرين، بشروط منع التنمية الصناعية المحلية، في كلا القطاعين (الخاص والدولة). وستسعى دولة الخلافة منذ اليوم الأول لعودتها بأن تصبح هي الدولة الأولى في العالم، دولة بلا منافس، كما كانت عليه من قبل.
وفيما يتعلق بالصناعة، فإنّ التركيز العسكري في سياسة الدولة سيؤدي إلى إرساء قاعدة صناعية ثقيلة، وقد تبنّى حزب التحرير في مقدمته للدستور، في المادة رقم (74)، “دائرة الصناعة هي الدائرة التي تتولى جميع الشؤون المتعلقة بالصناعة سواء أكانت صناعة ثقيلة كصناعة المحركات والآلات، وصناعة هياكل المركبات، وصناعة المواد والصناعات الإلكترونية.
أم كانت صناعة خفيفة، وسواء أكانت المصانع هي من نوع الملكية العامة أم من المصانع التي تدخل في الملكية الفردية ولها علاقة بالصناعة الحربية، والمصانع بأنواعها يجب أن تقام على أساس السياسة الحربية” وورد في شرح المادة أنّ “الدولة حتى تكون مالكة زمام أمرها، بعيدة عن تأثير غيرها فيها، لا بُدّ من أن تقوم هي بصناعة سلاحها، وتطويره بنفسها، حتى تكون باستمرار سيدة نفسها، ومالكة لأحدث الأسلحة وأقواها، مهما تقدمت الأسلحة وتطورت، وحتى يكون تحت تَصرّفها كل ما تحتاج إليه من سلاح، لإرهاب كل عَدوٍّ ظاهر لها، وكل عدوٍّ مُحتمَل”.
ولذلك نجد أن الإسلام العظيم جعل ملكية الموارد العامة، مثل المعادن وموارد الوقود، وجميع أشكال الطاقة؛ الكهرباء وغيرها من الملكيات العامة، والانتفاع بها هو للناس كافة، وتكفل الدولة ذلك، وتعتبر المصانع التي تستخدم هذه المصادر من الملكيات العامة أيضاً، ولا يجوز أن تكون هذه المصانع خاصة، وهذا يشمل الفحم والذهب والنحاس والمراعي ومصافي الغاز ومحطات إنتاج الكهرباء وشبكات التوزيع، ولا يجوز خصخصة أو تأميم مثل هذه المصانع ذات الصلة بالموارد العامة، وبالإضافة إلى ذلك، فإنّه لا يجوز تأميم الملكيات الفردية أو ضمها إلى الممتلكات العامة.
وقد تبنّى حزب التحرير في مقدمته للدستور، في المادة رقم (138)، “المصنع من حيث هو من الأملاك الفردية إلا أن المصنع يأخذ حكم المادة التي يصنعها. فإن كانت المادة من الأملاك الفردية كان المصنع ملكاً فردياً كمصانع النسيج. وإن كانت المادة من الأملاك العامة كان المصنع ملكاً عاماً كمصانع استخراج الحديد.” وجاء في المادة رقم (139)، “لا يجوز للدولة أن تحوّل ملكية فردية إلى ملكية عامة، لأن الملكية العامة ثابتة في طبيعة المال وصفته لا برأي الدولة.” وفي المادة رقم (140)، ” لكل فرد من أفراد الأمة حق الانتفاع بما هو داخل في الملكية العامة، ولا يجوز للدولة أن تأذن لأحد دون باقي الرعية بملكية الأملاك العامة أو استغلالها”.
ولذلك يجب أن تقوم الدولة بنفسها بصنع سلاحها، وكل ما تحتاج إليه من آلة الحرب، ومن قِطع الغيار. وهذا لا يتأتى للدولة إلا إذا تبنت الصناعة الثقيلة، وأخذت تُنتِج أولاً المصانع التي تُنتِج الصناعات الثقيلة، الحربية منها وغير الحربية.
فلا بُدَّ من أن يكون لديها مصانع لإنتاج السلاح الذري، والمركبات الفضائية، ولإنتاج الصواريخ، والأقمار، والطائرات، والدبابات، والمدافع، والسفن الحربية، والمركبات المصفحة بأنواعها، والأسلحة الثقيلة والخفيفة بأنواعها. ويجب أن يكون لديها مصانع لإنتاج الآلات، والمحركات، والمواد، والصناعة الإلكترونية، وكذلك المصانع التي لها علاقة بالملكية العامة، والمصانع الخفيفة التي لها علاقة بالصناعات الحربية”.
وفيما يتعلق بتمويل التنمية الصناعية، فإنّه سيتم إنشاء الصناعات الأساسية بشكل قوي، من خلال إرجاع الممتلكات العامة للملكية العامة وملكية الدولة، وسيتم تطبيق الأحكام الشريعة الأخرى التي تتعلق بالإيرادات، حيث ستكون الدولة قادرة على تمويل التنمية الصناعية من خلال القطاع الحكومي والخاص، ومن دون الاعتماد على الأمم الأخرى والخضوع لشروطها، مما يسمح للدولة بأنْ تصبح مكتفية ذاتياً فيما يتعلق بأمور مثل التكنولوجيا العسكرية والملبس والمسكن والتعليم والصحة.
كما أنّ سياسة التجارة الخارجية مع الدول غير المحاربة ستكون بطريقة تحثها على قبول الإسلام، حتى يصبح الإسلام في نهاية المطاف مهيمناً على العالم بأسره، وقد تبنّى حزب التحرير في مقدمته للدستور، في المادة رقم (165)، “ يمنع استغلال الأموال الأجنبية واستثمارها في البلاد كما يمنع منح الامتيازات لأي أجنبي”. وعدم اللجوء إلى القروض الاستعمارية ذات الشروط التدميرية، والاستغناء عنها بإيرادات الدولة الكبيرة، بما في ذلك الملكية العامة الهائلة مثل النفط والغاز. والمواد النادرة.
إن الدول الكبرى ستظل تلهث وراء المنافع المادية، حتماً ستؤدي إلى حتفها. ولا سبيل للعالم الخلاص من هذا الشقاء ونهب الثروات إلا بمبدأ الإسلام العظيم، الذي تطبقه دولة الخلافة الراشدة الثانية، والتي تجعل دافع الصراع الدولي هو حمل المبدأ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، لا الركض وراء المنافع.
1447-02-17