العدد 468 -

السنة التاسعة و الثلاثون ، محرم 1447هـ الموافق تموز 2025م

التعامل مع ثلاثية التحديات الجديدة:  لماذا يجب على المجتمع الأمني في باكستان أن يستنفر لمواجهة الأزمات

عبد المجيد بهاتي- باكستان                 

خلال الشهر الماضي، برزت ثلاثة تحديات أمنية تهدد بجدية وحدة أراضي باكستان. ورغم أن النزاع الأخير مع الهند يُعد الأهم، فإن التوترات الحالية مع إيران وأفغانستان، وتمردات منخفضة الحدة في بلوشستان وخيبر بختونخوا، لا تدخل ضمن هذه التحديات. أما التحديان الآخران، فمصدرهما كيان يهود والولايات المتحدة، وتشكل هذه المحاور مجتمعة تهديدًا وجوديًا لأمن باكستان.

التهديد الهندي: تقليدي ومركّب

تُعد الهند تهديدًا أمنيًا طويل الأمد ومعقدًا. فمنذ عام 1948، لا يزال نزاع كشمير هو القضية المحورية، مع تصاعدات متكررة واشتباكات عبر الحدود، بما في ذلك الضربات الصاروخية والطائرات المسيّرة التي نفذتها الهند في مايو 2025 ضد كشمير الباكستانية والبنجاب. وتستمر التوترات على خط السيطرة ، ويقابل القمعَ الوحشيَ في كشمير انتشارٌ كثيفٌ للقوات على جانبي الحدود للحفاظ على توازن هش.

وتزيد الهند الطين بلّة بدعمها السري لحركات الانفصال في بلوشستان، مما يقوّض مشاريع البنية التحتية الحيوية مثل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. أما تعليق اتفاقية مياه السند، فقد أثار مخاوف كبيرة بشأن الأمن المائي في باكستان وتداعياته الاقتصادية الأوسع. ومن ثم، فإن التهديد الهندي يُقوّض سيادة باكستان واستقرارها الأمني والاقتصادي بشكل خطير.

تهديد كيان يهود: توسع عدواني مدعوم أمريكيًا

التهديد الأمني الثاني يتمثل في تصاعد تهديد كيان يهود في الشرق الأوسط، والذي تصاعد بشدة بعد ضربات الكيان الأخيرة على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية. وقد أدانت باكستان هذه الضربات ووصفتها بأنها «غير مبررة وغير مشروعة» و»تهديد خطير» للأمن الإقليمي والعالمي، محذّرة من أن مثل هذه الأعمال من شأنها زعزعة استقرار المنطقة بأسرها. وقد أدى الصراع إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط، مما زاد من الضغوط الاقتصادية على باكستان التي تعتمد بشدة على واردات الطاقة.

التمدد الإقليمي لكيان يهود، المحمي دومًا بالمظلة العسكرية الأمريكية، تجاوز الأراضي الفلسطينية ليشمل أجزاء كبيرة من سوريا وجنوب لبنان، مما زاد من هشاشة المنطقة. ومع ضعف العراق وتراجع إيران إستراتيجيًا، تتحول إسرائيل إلى شرطي فعلي لأمريكا في المنطقة، وهو نفوذ يتعاظم من خلال علاقتها الدفاعية المتنامية مع الهند.

ويُنظر إلى هذا التوسع في إطار سعي كيان يهود لتحقيق رؤيته لـ(إسرائيل الكبرى)، التي تهدف للسيطرة على مزيد من الأراضي المجاورة. ومع الإبادة الجماعية في غزة، والتوسع الوحشي في الضفة الغربية، تتصاعد التوترات وتتعزز مشاعر السخط في العالم الإسلامي، ما يثير مخاوف جدية على سيادة وأمن المنطقة، وخصوصًا باكستان.

التهديد الأمريكي: الخطر الأكبر

أما التهديد الأكبر فيأتي من الولايات المتحدة. فقد أعادت أمريكا توجيه تحالفها الإستراتيجي من باكستان إلى الهند، معتبرة الأخيرة شريكها الرئيس في جنوب آسيا لمواجهة صعود الصين. وقد ترافقت هذه السياسة مع تصاعد الإسلاموفوبيا في إدارة ترامب، وتوافق فكري بين واشنطن وتل أبيب ونيودلهي على ضرورة قمع وهيمنة العالم الإسلامي.

لقد أثبتت أمريكا مرارًا أنها حليف غير موثوق به: فقد امتنعت عن التدخل خلال أزمة 1971 التي أدت إلى انفصال باكستان الشرقية (بنغلاديش)، وتخلت عن باكستان بعد الجهاد الأفغاني، وهاجمتها بعد 11 سبتمبر، وضغطت عليها لتتخلى عن نفوذها في أفغانستان.

وفي المقابل، منحت أمريكا الهند امتيازات نووية كبيرة من خلال الاتفاق النووي المدني الهندي-الأمريكي وإعفائها من قيود مجموعة الموردين النوويين، مما عزز قدرات الهند النووية، وحرم باكستان من معاملة مماثلة، وأخلّ بتوازن القوى في المنطقة.

شلل في الفكر الإستراتيجي الباكستاني

رغم هذه التهديدات، لا تزال القيادة الباكستانية ملتزمةً العمل تحت مظلة أمريكا، والتمسك الصارم بالقانون الدولي، حتى في الوقت الذي تواصل فيه أمريكا وكيان يهود والهند انتهاك تلك القوانين لتحقيق مصالحها. هذا الالتزام الصارم يعرض باكستان للهشاشة، ويدفعها نحو التدمير الذاتي، كما حدث مع العراق وليبيا وإيران.

 ولهذا، يجب على المجتمع الإستراتيجي في باكستان أن يعيد التفكير جذريًا، ويتحرر من الهيمنة الأمريكية ومن قيود القانون الدولي. وإلا فإن النتيجة ستكون مجرد تأجيل لانهيار الدولة حتى اللحظة التي تقرر فيها أمريكا، بالتعاون مع الهند وكيان يهود، شنّ هجوم عسكري مباشر.

البيئة الدولية تغيّرت… والفرصة متاحة

يجب على باكستان أن تعترف بأن البيئة الدولية قد تغيّرت جذريًا خلال العقدين الماضيين. الدول اليوم باتت تقتطع الأراضي بالقوة دون خوف من رد غربي حقيقي: ضمّ روسيا قسما من جورجيا وشبهَ جزيرة القرم وأجزاء من أوكرانيا، واحتلال كيان يهود لأراضٍ سورية ولبنانية، واستيلاء أذربيجان على أراضٍ أرمينية، وتركيا على شمال سوريا، والصين على لداخ، والسعودية على أجزاء من اليمن، حتى أمريكا ناقشت ضم كندا وغرينلاند وقناة بنما بالقوة .

كما أن دعم الغرب المطلق لمجزرة كيان يهود في غزة قوّض فاعلية القانون الدولي، وأفقد الغرب شرعيته الخلقية. وتُظهر الهزائم الأمريكية في العراق وأفغانستان، وعجزها عن فرض تسوية على روسيا في أوكرانيا، وفشلها في وقف الحوثيين، حدود قوتها على تشكيل النظام الدولي. وتضطر أمريكا بشكل متزايد إلى الاعتماد على القوى الإسلامية الكبرى (مصر وتركيا وباكستان وإندونيسيا…) لحماية مصالحها، مما يشير إلى أنها باتت لا ترى نفسها قوة لا غنى عنها، بل ترى هذه الدولَ أدوات لبقائها.

اقتراحات عملية

أولًا: ضم كشمير: في ظل هذا الوضع الدولي المتغير، لم تبق باكستان مقيدة كما كانت، ويمكنها ضم كشمير، وتأمين منابع الأنهار، وتحرير المسلمين هناك.

ثانيًا: تفعيل الردع النووي أداةً إقليميّة

ينبغي على باكستان أن تعيد النظر في استخدام سلاحها النووي. يجب أن لا يُنظر إليه بوصفه وسيلة دفاع فقط، بل بوصفه أداة لإعادة تشكيل التوازن الإقليمي ضد محور الشر الجديد: أمريكا وكيان يهود والهند. ويتضمن ذلك تمديد «المظلة النووية» الباكستانية إلى الدول الإسلامية:

مجلس التعاون الخليجي: مقابل إسقاط ديون باكستان وتقديم طاقة مجانية لـ20 سنة.

وإيران وأذربيجان: مقابل طاقة مجانية وصفقات سلاح لصالح باكستان.

وتركيا: مقابل اتفاق دفاع مشترك وتبادل تكنولوجيا السلاح وانسحاب من الناتو.

ومصر والمغرب العربي وبنغلاديش وماليزياوإندونيسيا:لتعزيزالتعاون الإستراتيجي والعسكري، مثلًا قطع ممر «عنق الدجاجة» من قبل بنغلاديش في حال عدوان هندي، أو السيطرة على مضيق ملقا من قبل ماليزيا وإندونيسيا عند الحاجة.

ويمكن دمج كل هذه الاتفاقيات في حلف دفاع إسلامي، يُلزم الجميع الردَ المشترك في حال تعرض أحدهم لهجوم، حتى باستخدام الأسلحة النووية. لذلك يجب على المجتمع الإستراتيجي في باكستان  التفكير الجدي والشجاع، مستفيدًا من تفكك النظام الدولي، ومستخدِمًا ترسانته النووية لبناء منظومات أمنية جديدة تردع محور الشر وتحافظ على وحدة الأراضي والسيادة الباكستانية.

هذه الجدية في التفكير، وتحمل المسؤولية عن الأمة، واتخاذ التدابير المذكورة آنفًا، لا يُتصوّر أن تصدر عن المجتمع الإستراتيجي في باكستان، لأنه مجتمع غير مستقل في تفكيره وإرادته، بل هو خاضع في ولائه وتبعيته لأمريكا والكافر المستعمر.أما الخلافة الراشدة، التي ستقوم قريبًا بإذن الله في باكستان، فهي التي ستُحسن الاستفادة من الوضع الدولي الراهن، ومن قدرات الأمة الكبيرة، حتى تهيمن دولة الخلافة على المنطقة، ثم تتمدد إلى جميع بلاد المسلمين وما وراءها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *