الصراع على سوريا بين الإسلام والعلمانية الطوائف حصان طروادة في ظل غياب المواقف المبدئية للإدارة الجديدة
22 دقيقة مضت
كلمات الأعداد
1 زيارة
محمد العبود
لقد كانت سوريا كبقية الدول القائمة في البلاد الإسلامية، تقع تحت نفوذ الدول الاستعمارية وهيمنتها؛ بشكل مباشر منذ هدم الخلافة العثمانية سنة ١٩٢٤م، وبشكل غير مباشر بعد الاستقلال المزعوم.
وقد كان نظام آل أسد الأب الهالك والابن الهارب عميلاً لأمريكا وأداة من أدواتها، وقد عملت على دعمه والمحافظة عليه من السقوط إثر قيام ثورة الشام المباركة حتى أدى ذلك إلى تدمير حواضر سوريا ومدنها وقتل ما يزيد على المليون ونصف المليون إنسان وتشريد أربعة عشر مليونا وتدمير الاقتصاد والبنى التحتية تدميراً كاملا. ثم أكرم الله أهل ثورة الشام في نهاية المطاف بإسقاط الطاغية.
وكانت أمريكا تتحسب من سقوطه وتحاول العمل لتجهيز بدائل عدة في حال سقوطه، منها بدائل سياسية وعسكرية، ولكن البديل الأنسب الذي فرضه سير الأحداث وتسارع سقوط الطاغية كان هو هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني الذي كوّن في إدلب نموذجاً لحكم تمثل في حكومة الإنقاذ وجهاز أمن عام وقوة عسكرية منظمة ومنضبطة، وقد حاول إعطاء صورة براغماتية ترضي الغرب وأمريكا من خلال تطبيق نظام حكم لا يختلف كثيرا عن الدول العربية، وإن كانت الشعارات التي كانت ترفع سابقا هي شعارات إسلامية.
إن الإدارة الجديدة في سوريا تفتقد الرؤية الاقتصادية الشرعية وتمارس نظاما اقتصاديا قائما على الاحتكار والضرائب والمكوس والرسوم التي يحرمها الإسلام، كما أنها عملت على إبراز صورة الحكم المعتدل من خلال ترميمها لبعض الكنائس النصرانية وزيارتها للمعابد الدرزية، ومحاربتها لمن تسميهم أمريكا إرهابيين ومتطرفين من التشكيلات الجهادية التي نشأت في ثورة الشام.
كما قامت بإغلاق المكاتب السياسية والإعلامية والدعوية ومصادرة ممتلكات والاستمرار باعتقال أعضاء الجماعات السياسية المعارضة لنهجها.منهم شباب حزب التحرير الذي يدعو لإقامة الخلافة، وبعض شخصيات الحراك الثوري وناشطون مناهضون لسياسات الجولاني القمعية.
وبعد وصول أحمد الشرع إلى الحكم كان ملاحظا أنه يراد له أن يملأ ما حصل من فراغ سياسي وعسكري وأمني، والتحكم بملف الطوائف.وقد حاولت بعض الدول الأوروبية التسابق لزيارة سوريا، علها تحظى بشيء من الاستثمار في الكعكة السورية وحجزدورٍ ما فيها.
لقد نجح أحمد الشرع في الإمساك بالوضع الأمني إلى حد معقول، نتيجة ظروف داخلية ودولية معروفة، وساهم ذلك بإحداث قدر كبير من الاستقرار، إلا أن هناك الكثير من التحديات في الداخل والخارج ما زالت تهدد استقرار حكمه ووحدة الأراضي السورية. ومن أهم هذه التحديات الصراع مع الإرث القديم لهيئة تحرير الشام من المجاهدين الذين لم يرق لهم شكل الحكم الجديد المتذبذب بين الشعارات الإسلامية الشكلية والديمقراطية التشاركية، إذ إنهم كانوا يجاهدون لأجل تطبيق حكم الإسلام، فشعروا بالخديعة رغم وجود التبريرات الشرعية. ولذلك يجري الآن تبديلهم أو تذويبهم في وسط جيش من المتطوعين الجدد الذين تتراوح أعمارهم ما بين الثامنة عشرة والثانية والعشرين، والذين لا يحملون إرثا جهاديا ولا فكرا إسلاميا.
ومن التحديات الداخلية في الصراع على سوريا وجود بعض التيارات العرقية الصغيرة، كقوات سوريا الديمقراطية ذات الطابع العنصري الكردي، والطائفية كالدروز والعلويين، وبعض عتاة العلمانية من المحسوبين على المسلمين. وهؤلاء جميعاً يشكلون حصان طروادة للتدخلات الخارجية، حيث إنهم يخشون من زيادة الوعي والالتزام الديني الذي يضيق عليهم دائرة الفسق والفساد التي كانوا يعيشون فيها، كما أنهم قلقون على ذهاب الامتيازات التي كانوا يرفلون فيها فيصبحوا في حالة مساواة مع المسلمين، وهذا ما لم يعتادوا عليه من قبل.
ورغم الضمانات التي يكفلها لهم النظام الدولي بأنهم لن يُهضموا شيئا من حقوقهم،ورغم أن السلطة تراعيهم وتطلق سراح المتجاوزين منهم في أسرع وقت، بينما هي تعتقل الكثير من الناشطين السياسيين المسلمين والمجاهدين لخلاف في الرأي منذ سنوات ظلماً وعدوانا ولم تفرج عنهم حتى الآن، رغم كل ذلك تحاول بعض الجهات الدولية ككيان يهود وبعض الدول الأوروبية تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ لها،وتتخذ من الطوائف حصان طروادة للتدخل وتقسيم سوريا إلى فدراليات أو مناطق حكم ذاتي أو فرض حكم لا مركزي، يضعف الدولة ويشكل طريقاً إلى تقسيمها،ويفتعلون مشكلات ومظالم لا وجود لها، لتبرير التدخل الدولي وزيادة الضغط الاقتصادي، لتخضع الدولة المركزية لطلباتهم. ويستدعون تدخلا خارجيا، وخصوصا من أعداء المسلمين، ككيان يهود الذي يعمل على إضعاف المسلمين في سوريا عبر تقسيمها وجعل قسم منها تحت هيمنته بدعم الطوائف واحتلال أجزاء جديدة لجعلها مدعاة تفاوض للسلام والتطبيع معه.
إن تدخل كيان يهود الفج في سوريا، ابتداء من تدمير قوتها العسكرية وبنيتها التحتية واستباحة أجوائها بشكل منفلت، لم يرق لأمريكا لأنها لا تريد أن يمتد نفوذه خارج ما تريده أمريكا، ولأن أعماله قد تكون بداية لتفلّت الأمور في سوريا، ما يهدد الاستقرار النسبي الموجود والذي يسمح بالقضاء على جذوة الثورة من نفوس الناس ويضمن ملء الفراغ عبر البديل الجديد الذي تمثله الإدارة الجديدة.
وأما تركيا فقد كان لها الدور الأبرز فيما حصل في سوريا. وقد أوكلت إليها مهمة ترتيب الوضع الجديد في سوريا. وقد سعت لتعزيز وجودها عبر محاولة إقامة قواعد عسكرية وجوية في سوريا. فقد أسندت إليها مهمة حماية النظام الجديد ورعاية الوضع في سوريا، ما أزعج كيان يهود، فقام بضربات شديدة على مطارات ت٤ وحماة العسكري وقاعدة تدمر العسكرية وغيرها من المواقع، فاستدعى ترامب نتنياهو إلى واشنطن على عجل، وأنّبه وأخبره بأن أردوغان صديقه وحليفه وعليه أن يحل الخلاف بينهما.
إضافة إلى ما سبق فإن دولا عدة لا تريد استقرار الوضع في سوريا،منها دول أوروبية، لذلك هي تحرك أدواتها كالإمارات، وكذلك يتحرك كيان يهود لافتعال أزمات واقتتالات تدين السلطة الجديدة وتبقيها تحت الحصار، وتحاول إسقاطها وإشعال الفوضى، لعلها تجد طريقاً إلى تقسيمها أو مدخلا لنفوذ جديد.
أمام هذا الصراع الدولي وأدواته الإقليمية والداخلية لا بد أن يكون للمسلمين في سوريا الموقف الحازم لصد تلك الهجمات والقضاء على كل تلك المؤامرات، كالموقف الذي وقفه أبو بكر الصديق رضي الله عنه أمام حروب الردة وإنفاذ بعث جيش أسامة لغزو الروم.
إن التذبذب في المواقف وخصوصا في تبني مشروع الإسلام هو خطر على الدولة والأمة وسيضيّع كل التضحيات والإنجازات التي حققتها ثورة الشام المباركة. لذلك لا بد من أخذ الموقف المبدئي القوي والواضح في تبني مشروع الإسلام والسير على نهجه سيرا ثابتاً، مستعينين بالله ومتوكلين عليه، واثقين بنصره مهما كبرت التحديات وعظمت التضحيات.
1446-11-28