العدد 471 -

السنة التاسعة والثلاثون، جمادى الأولى 1447هـ الموافق تشرين الأول 2025م

(وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَيَمِيلُونَ عَلَيۡكُم مَّيۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ)

إبراهيم سلامة

قال اللهُ تبارك وتعالى: ( وَإِذَا كُنتَ فِيهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡيَأۡخُذُوٓاْ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلۡيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَآئِفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ يُصَلُّواْ فَلۡيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلۡيَأۡخُذُواْ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَيَمِيلُونَ عَلَيۡكُم مَّيۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذٗى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَن تَضَعُوٓاْ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُواْ حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا١٠٢ )النساء: 102.

تنبّه هذه الآية الكريمة إلى أهمية الصلاة ووجوب أدائها حتى في حال الحرب والخوف؛ فهي سلاحُ المؤمن الذي لا يستغني عنه أبدًا، وهي الصلةُ الدائمة بالله تبارك وتعالى، وعمادُ الدين، وصحّةُ الإيمان، ودليلُ الرضا بحكم الله والتسليم لقضائه وتنفيذ أمره وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم. ولا تسقط الصلاة عن المسلم ما دام حاضرَ العقل والذهن، بل يُطالَب بأدائها ولو في أشدّ المواقف خطرًا.

إنّ مفهوم الآية يُنبّه المسلم إلى وجوب الاحتفاظ بسلاحه حتى وهو يُقيم الصلاة، فحمل السلاح في غير الصلاة أوجبُ وألزم، لتأمنوا مكر عدوّكم؛ (وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَيَمِيلُونَ عَلَيۡكُم مَّيۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ) النساء: 102 ، أي ميلًا لا يُبقي ولا يذر.

وواقعُ الحياة يشهد على مكرِ الكافرين وخداعهم وتربّصهم بالمؤمنين؛ فقد رخّص الله تعالى لمن به أذًى أو مرضٌ أن يضع سلاحه إلى حين، لكنّه عقّب بقوله جلّ شأنه: (وَخُذُواْ حِذۡرَكُمۡۗ)النساء: 102، أي إيّاكم أن تستكينوا أو تركنوا إلى الذين ظلموا فتضعوا أسلحتكم وتغفلوا عن عدوّكم.

إنّ الله تعالى قد أعدّ للكافرين عذابًا مهينًا، إمّا من عنده بجنوده – (وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ) – أو بأيدي المؤمنين الذين يتّقونه ويُطيعونه. فاتقوا الله يا أولي الألباب، وأطيعوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واثبتوا في قتال عدوّكم؛ فإنّكم تواجهون قومًا كتب الله عليهم الذلّة والمهانة. فالثباتَ الثباتَ، وتوكّلوا على الله، وأخلصوا الجهاد في سبيله، (وَلَاتَهِنُواْ فِي ٱبۡتِغَآءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُواْ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ يَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا١٠٤).

امضوا في قتال عدوّكم ولا يمنعنّكم مانع، واتّبعوا شرع الله ولا تعتدوا. امضوا بثباتٍ ولا تملّوا ولا تكلّوا، ولا تذلّوا ولا تخنعوا، رغم الجراح والآلام والتضحيات؛ فقد أعددتم ما استطعتم من قوّة، ولا يُخيّب اللهُ ظنَّ عباده الصالحين به. وأحسنوا الظنَّ بالله؛ فإنّه وعدَ بالنصر لعباده المؤمنين وبرحمته وعفوه وغفرانه.

ومهما اشتدّ القتال وادلهمّت الخطوب وتكاثرت الكروب والفتن، وقلّ الزاد والنصير، فإنّ النصر بيد الله العزيز الحكيم، (وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ)آل عمران: 126، بل إنّهم – أي الكفار – أشدُّ ألمًا منكم؛ فهم لا يرجون من الله نصرًا ولا رحمة، إذ كفروا به وعصوه. والموت عندهم حسرةٌ في قلوبهم، ولعنةٌ في أنفسهم، وعَتامةٌ في بصيرتهم. أمّا أنتم يا معشر المؤمنين (وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرۡجُونَۗ)  النساء: 104، ترجون رحمته ومغفرته، وأن يتقبّلكم شهداء أبرارًا في سبيله، ويُنعِم عليكم وعلى ذراريكم بفضله وكرمه.

قال الله تعالى:(إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ١٤٠) آل عمران: 140، يكرمكم الله بالشهادة، فينتقيكم من بين الأمة بعددها وعديدها، ويختاركم شهداء من خيرة عباده، (أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ)، تنعمون برضوانه ورحمته، لا خوفٌ عليكم ولا أنتم تحزنون. وقال الله تبارك وتعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ ٥١)  غافر: 52، إنّ وعد الله حقٌّ وصدقٌ لا شكّ فيه، فهو وعدٌ قاطعٌ حازمٌ ظاهرٌ بيّنٌ لا جدال فيه، إذ قال سبحانه: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ).

 لقد انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطاعته لله، وبتبليغ رسالته، وتأييد الله له ونصرته، ثمّ بما كان عليه من القوة الإيمانية والبشرية، ومعه المؤمنون الصادقون الذين أطاعوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأخلصوا وجوههم لله وحده.

وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم العقيدة الإسلامية في واقع الحياة، تنظّم الناس وتحكمهم بشرع الله، وتقيم دولةً إسلاميةً عادلةً في المدينة المنوّرة، ظلّت قائمةً قرونًا طويلة حتى ضعف التزام المسلمين لدينهم، وتشتّت جمعهم، وتأخّروا عن قيادة البشرية، فسقطت دولتهم. ومع ذلك، فإنّ وعد الله قائمٌ لا يتخلّف، متى صدق المسلمون في إيمانهم، وأخلصوا في توكّلهم وتجردوا لتنفيذ أمره، حاكمين بشرعه، متمسّكين بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.

 قال تعالى:(يَوۡمَ لَا يَنفَعُ ٱلظَّٰلِمِينَ مَعۡذِرَتُهُمۡۖ)، والظالمون هم الكفار، ومن يحكم بغير ما أنزل الله، من حكّام المسلمين في هذا الزمان، الذين تولّوا الكفار وناصروهم، وتخلّوا عن نصرة إخوانهم في فلسطين وسائر بلاد الإسلام، فاستحقّوا لعنة الله وسوء الدار، (وَلَهُمُ ٱللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوٓءُ ٱلدَّارِ) غافر: 52.

إنّ هؤلاء الحكّام وأعوانهم من الجيوش والزّبانية المتخاذلين، إنما صاروا أداةً بيد أعداء الإسلام، كأنهم جزءٌ من جيوشهم التي تبطش بالمسلمين العُزّل في فلسطين وسواها. ولا ناصر للمسلمين إلّا الله تبارك وتعالى، نعم المولى ونعم النصير.

إنّ هذا السرطانَ الصليبيَّ الصهيونيَّ يجبُ استئصالُه والقضاءُ عليه، وعلى كلِّ من يُؤيِّده ويمدُّه بوسائل الحياة والبقاء من حكّام بلاد المسلمين. فدعواتُ إلقاءِ السلاح في غزّة أو في أيّ بقعةٍ من بلاد المسلمين دعواتٌ مشبوهةٌ لا يقولُ بها مؤمن، إذ تُنافي قولَ الله تبارك وتعالى:

(وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ٦٠)الأنفال: 60، أيّها المسلمون، أعدّوا ما استطعتم من قوّةٍ وحصانةٍ، واحتفظوا بسلاحكم، وقاتلوا عدوّكم، ولا تضعفوا ولا تستكينوا ولا تُسلِّموا أسلحتكم، فالأمر بيد الله، له الحكم من قبل ومن بعد.

 والواقع العمليُّ شاهدٌ على بطلان دعوى إلقاءِ السلاح أمام المحتلّ الغاصب؛ فبريطانيا مثلًا احتلّت مصرَ نحو ثمانين عامًا ولم تخرج إلّا بعد أن أخرجتها أمريكا لتجلسَ مكانها، وكانت قد خلعت تركيا من تاريخها ودينها، وهيمنت على الجزيرة العربية بمعونة الشريف حسين وابن سعود، ثمّ احتلّت بلادَ الشام والعراق، فشكّلتها على هواها وأنشأت كيانَ يهود، وأدخلت الدولَ العربية في حربٍ صوريةٍ مع العصابات الصهيونية لتمكينهم من إقامة دولتهم.

ومنذئذٍ ترزحُ بلادُ العرب تحت نفوذِ الاستعمار الغربيّ غير المباشر بملوكها ورؤسائها. تذكّروا المجازر التي ارتكبها اليهود في فلسطين تحت حماية الإنجليز الذين منعوا الفلسطينيين من أيّ سلاحٍ أو تنظيمٍ يُذكر.

 وتذكّروا دير ياسين وصبرا وشاتيلا والبوسنة والهرسك، والعراق وأفغانستان، وما جرى فيها من مذابح رغم الضمانات الغربية المزعومة!

أيّها الحكّام العرب، إذا كنتم لا تستطيعون إخراج المحتلّ من غزّة – وهو حقٌّ مشروعٌ حتى في عرف الأمم – فلا تتماهوا مع الأمريكان واليهود وتطلبوا تسليم السلاح! قاتلكم الله. وقد ذكرت بعض الصحف الغربية أن ستّ دولٍ عربيةٍ تعاونت فكريًّا وأمنيًّا وعسكريًّا وتجاريًّا مع كيان يهود طوال الحرب على غزّة. فأين الشعوب؟!

قال الله تعالى:(وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعۡمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمۡ لِيَوۡمٖ تَشۡخَصُ فِيهِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ ٤٢ مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡ‍ِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ ٤٣ وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوۡمَ يَأۡتِيهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَ لَمۡ تَكُونُوٓاْ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٖ ٤٤ وَسَكَنتُمۡ فِي مَسَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَتَبَيَّنَ لَكُمۡ كَيۡفَ فَعَلۡنَا بِهِمۡ وَضَرَبۡنَا لَكُمُ ٱلۡأَمۡثَالَ ٤٥ وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ ٤٦ فَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخۡلِفَ وَعۡدِهِۦ رُسُلَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٖ٤٧) إبراهيم: 42–47، فلا يظنّ أحدٌ أنّ اللهَ غافلٌ عمّا يعمل الظالمون؛ إنّه يُمهل ولا يُهمِل، ويُمهلهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار، يومٍ تهتزّ له القلوبُ من الفزع، (مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ) أي مسرعين مبهوتين أذلّاء، (لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ) قد جمدت أبصارُهم من هول الموقف، (وَأَفۡ‍ِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ) خاليةٌ من الطمأنينة والإيمان.

إنّ مكرَ الكفار وأعوانهم وإن عَظُمَ، فالله محيطٌ بهم، ومكرُهم إلى زوال، ولو كان من شدّته كأنّه يُزيل الجبال.

 قال تعالى: (فَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخۡلِفَ وَعۡدِهِۦ رُسُلَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٖ) إبراهيم: 47. فمهما بلغ مكرُ الظالمين وتضحيةُ المؤمنين، فلن يُؤخَّر نصرُ الله عن أوليائه. ونصرُ الله آتٍ لا محالة، فقد أظهر الله الإسلامَ، ومكَّنَ المسلمين يوم صدقوا في جهادهم وطاعتهم له.

اللهمّ ثبّت أقدامَنا، واغفرْ لنا ذنوبَنا، وإسرافَنا في أمرِنا، وانصرنا على القومِ الكافرين. اللهمّ اغفرْ لي ولوالديّ، ولمن له حقٌّ عليّ، ولجميع المؤمنين يوم يقوم الحساب. وصَلِّ اللهمَّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ) يوسف: 21.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *